طريقة فك السحر: الوسائل الشرعية والرقية المأثورة للعلاج
يعتبر السحر من الأمور التي حذر منها الإسلام وجعلها من الكبائر، ومع ذلك قد يتعرض المسلم للإصابة بالسحر. لذلك من المهم معرفة طريقة فك السحر بالوسائل الشرعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم. في هذا المقال، سنتناول الطرق الشرعية لفك السحر وإبطاله، مع التحذير من الطرق المحرمة التي تخالف الشريعة الإسلامية.
مفهوم السحر في الإسلام وحكمه الشرعي
السحر في اللغة هو ما خفي ولطف سببه، وفي الشرع هو عقد ورقى وكلام يتكلم به الساحر، أو يكتبه، أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله دون مباشرة له. وقد حرم الله تعالى السحر وجعله من الكبائر، قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ.
وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم السحر من السبع الموبقات، فقال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق... الحديث. ولكن مع تحريم السحر، فقد شرع الإسلام طرقاً لعلاجه وفك أثره عن المسحور.
أنواع السحر وأعراضه وفق المعتقدات الإسلامية
أنواع السحر الشائعة
- سحر التفريق: يهدف إلى التفريق بين الزوجين أو الأحباب
- سحر المحبة: يهدف إلى جلب محبة شخص لآخر بطريقة غير طبيعية
- سحر التعطيل: يمنع الشخص من الزواج أو العمل
- سحر المرض: يسبب أمراضاً جسدية أو نفسية للمسحور
- سحر الجنون: يؤثر على العقل ويسبب اضطرابات نفسية شديدة
- سحر الهواتف: يسبب سماع أصوات غريبة للمسحور
أعراض الإصابة بالسحر
- صداع مزمن لا يستجيب للعلاج الطبي
- اضطرابات في النوم وكوابيس متكررة
- نفور مفاجئ بين الزوجين دون سبب واضح
- الشعور بضيق في الصدر وخفقان في القلب
- تغير مفاجئ في السلوك والطباع
- الخمول والكسل وعدم الرغبة في العمل
- الوسواس والأفكار السلبية المتكررة
تنبيه هام: ليست كل الأعراض المذكورة دليلاً قاطعاً على الإصابة بالسحر، فقد تكون ناتجة عن أسباب نفسية أو عضوية. لذا ينبغي مراجعة الطبيب أولاً للتأكد من عدم وجود سبب عضوي للأعراض قبل الحكم بأنها من السحر.
طريقة فك السحر بالوسائل الشرعية
علاج السحر في الإسلام يكون بطريقتين أساسيتين: الرقية الشرعية، والأدوية المباحة التي جربت في علاجه. وهناك طريقة ثالثة وهي العثور على ما فعله الساحر من عقد أو غيرها وإتلافها.
أولاً: الرقية الشرعية لفك السحر
من أنجع العلاج وأنفعه للسحر هي الرقية الشرعية، فقد ثبت أن الرقية يرفع الله بها السحر ويبطله. ومن الرقى التي تستعمل لفك السحر:
قراءة فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وسورة الكافرون، وسورة الإخلاص، والمعوذتين (الفلق والناس)، مع آيات السحر التي وردت في القرآن الكريم.
آيات السحر في القرآن الكريم:
- الآيات من سورة الأعراف: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ [الأعراف:117-119].
- الآيات من سورة يونس: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [يونس:79-82].
- الآيات من سورة طه: قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:65-69].
ثانياً: طريقة فك السحر بالماء والسدر
طريقة الاستخدام: تؤخذ سبع ورقات من السدر الأخضر، ثم تدق بين حجرين، وتوضع في إناء فيه ماء، ثم تقرأ فيه الآيات المذكورة أعلاه مع سورة الفاتحة وآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، ثم يشرب المسحور من هذا الماء ثلاث حسوات، ويغتسل بالباقي.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "هذا من الدواء النافع والرقية النافعة. وهناك أدوية لمن يتعاطى هذا الشيء ويعالج به أدوية مباحة قد يستفاد منها في علاج السحر وإزالته، كما أشار إلى هذا العلامة ابن القيم رحمه الله في بيان النشرة المشروعة".
ثالثاً: طريقة فك السحر بإتلاف العقد
إذا تم العثور على ما فعله الساحر من عقد أو غيرها، فإن إتلافها يعتبر من أسباب زوال السحر وإبطاله. وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر، فدله جبريل على مكان السحر، فاستخرجه وحله، فقام كأنما نشط من عقال.
كيفية إجراء الرقية الشرعية لفك السحر
خطوات الرقية الشرعية
- الوضوء والطهارة قبل البدء بالرقية
- اختيار مكان طاهر وهادئ
- البدء بالاستعاذة والبسملة
- قراءة سورة الفاتحة
- قراءة آية الكرسي
- قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين
- قراءة آيات السحر المذكورة سابقاً
- النفث أثناء القراءة على المريض أو في الماء
- تكرار الرقية ثلاث مرات أو أكثر
آداب الرقية الشرعية
- الإخلاص لله تعالى في الرقية
- اليقين بأن الشفاء من الله وحده
- الالتزام بالأدعية والآيات الواردة
- عدم مخالطة النساء الأجنبيات أثناء الرقية
- عدم طلب أجر على الرقية (وإن أعطي فلا بأس)
- الابتعاد عن الألفاظ المبهمة أو غير المفهومة
- الصبر وعدم الاستعجال في طلب الشفاء
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً. وقال أيضاً: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.
فائدة: يمكن للمسحور أن يرقي نفسه بنفسه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه، كما ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث.
تحذيرات من الطرق المحرمة لفك السحر
الطرق المحرمة لفك السحر
- الذهاب إلى السحرة والمشعوذين لفك السحر
- استخدام النشرة الشيطانية (حل السحر بالسحر)
- تعليق التمائم والحروز الشركية
- استخدام الطلاسم والرموز الغامضة
- الاستعانة بالجن والشياطين
- الذبح لغير الله تعالى
الطرق الشرعية لفك السحر
- الرقية الشرعية بالقرآن والأدعية المأثورة
- استخدام الأدوية المباحة كالسدر والعسل
- الدعاء والتضرع إلى الله تعالى
- المحافظة على الصلوات والأذكار
- التوبة والاستغفار وترك المعاصي
- الصدقة وفعل الخيرات
تحذير: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً. وقال أيضاً: من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة (حل السحر بالسحر) فقال: هي من عمل الشيطان. فلا يجوز للمسلم أن يذهب إلى الساحر ليحل له السحر، لأن الشر لا يزال بالشر، والكفر لا يزال بالكفر، وإنما يزال الشر بالخير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا يجوز حل السحر بسحر مثله، ولا يجوز الذهاب إلى الساحر ليبطل عمل ساحر آخر، فإن هذا من عمل الشيطان".
نصائح للوقاية من السحر حسب المعتقدات الإسلامية
الأذكار والأدعية الواقية من السحر
- المحافظة على أذكار الصباح والمساء
- قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة وعند النوم
- قراءة المعوذتين ثلاث مرات صباحاً ومساءً
- قراءة سورة البقرة في البيت، فإنها طاردة للشياطين
- المحافظة على قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين قبل النوم
- الدعاء المأثور: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق
أعمال تقي من السحر والحسد
- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها
- المحافظة على قراءة القرآن الكريم
- الإكثار من ذكر الله تعالى
- الصدقة فإنها تدفع البلاء
- التوكل على الله وحسن الظن به
- تجنب المعاصي والذنوب
- الابتعاد عن أماكن الشبهات
فائدة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك.
التوازن بين العلاج الشرعي والطبي
من المهم التنبيه على أن بعض الأعراض التي قد تشبه أعراض السحر قد تكون ناتجة عن أمراض عضوية أو نفسية تحتاج إلى علاج طبي. لذلك ينصح بالجمع بين الأخذ بالأسباب المادية (العلاج الطبي) والأسباب الشرعية (الرقية والأدعية).
متى يجب مراجعة الطبيب بدلاً من الاكتفاء بالرقية؟
يجب مراجعة الطبيب في الحالات التالية:
- وجود أعراض جسدية واضحة كالألم الشديد أو ارتفاع درجة الحرارة
- استمرار الأعراض لفترة طويلة رغم الرقية
- وجود تاريخ مرضي سابق للأعراض
- ظهور أعراض تشير إلى اضطرابات نفسية كالاكتئاب أو القلق
هل يتعارض العلاج الطبي مع الرقية الشرعية؟
لا يوجد أي تعارض بين العلاج الطبي والرقية الشرعية، بل هما متكاملان. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء، إلا داء واحداً وهو الهرم. والرقية الشرعية نوع من العلاج الروحي الذي لا يتعارض مع العلاج الجسدي، بل يكمله.
نصيحة: لا تهمل الأسباب المادية بحجة الاعتماد على الرقية فقط، فالأخذ بالأسباب من سنن الله تعالى في الكون، والتوكل على الله بعد الأخذ بالأسباب هو منهج الإسلام الصحيح.
خاتمة: التوازن بين المعتقدات والمنطق العلمي
في ختام هذا المقال عن طريقة فك السحر، نؤكد على أهمية التوازن بين الأخذ بالأسباب الشرعية والمادية في التعامل مع هذه المشكلة. فالإسلام دين الوسطية والاعتدال، يدعو إلى الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى.
ومن المهم التنبيه على عدم المبالغة في تفسير كل ظاهرة أو مرض على أنه سحر، فكثير من الأمراض لها أسباب طبيعية وعلاجات طبية. كما يجب الحذر من الدجالين والمشعوذين الذين يستغلون حاجة الناس وضعفهم للكسب المادي غير المشروع.
للوقاية من السحر والحسد
حافظ على الأذكار اليومية، واقرأ القرآن الكريم، وابتعد عن المعاصي، وتوكل على الله في جميع أمورك.
تعرف على المزيد من طرق الوقايةقال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82].
المراجع والمصادر
- كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
- مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - الشيخ عبد العزيز بن باز
- زاد المعاد في هدي خير العباد - ابن قيم الجوزية
- فتح الباري شرح صحيح البخاري - ابن حجر العسقلاني
- صحيح البخاري
- صحيح مسلم
- سنن أبي داود
- مسند الإمام أحمد